البارحة أخبرني مديري أن الخميس سيغادر مسافراً إلى الرياض، لن يكون متواجداً في المكتب، لكنّه وعدني بإنهاء جميع ما هو معلّق من مهام مشتركة خلال الأسبوع القادم، بادلته بإيمائه .. بادلني بابتسامة، ودّعنا بعضنا برسمية دافئة، كما تليق بفارق العمر والمكانة. لسبب أجهله .. لكنّي لا أخشى مديري، ولا ألصق “طال عمرك” كما يفعل زميلي في بدء كل مناسبة حديث معه، ربما لم أفطِن يوما لكل تلك البروتوكلات الاجتماعية، لكنّي أصنف نفسي أني محبوبة ومحترمة بقدر كاف، وربما أكثر من زميلي.
منذ أن عرفت أن مديري لن يأتي، أعدتُ جدولة موعد الاجتماع مع مدير المشروع إلى بعد الظهيرة، حتى يتسنى لي الحضور متآخراً صباح غد، بالطبع نويت ذلك دون أي خشية من أن يكون ذلك مهدداً لعملي الحالي. هذا الشعور بالأمان مع قدر كاف من المرونة، ربما هو ما يمنعني باستمرار عن البحث عن عمل آخر.
هيفاء، أو كما لفظته لي: هيفا، هي آخر اسم أُضيف إلى جهات اتصالي، حسناً .. كيف بدأ الحديث، كانت هيفاء تحاول التقاط صورة لنفسها عبر سناب شات، مررت من خلفها واعتذرت لي أن وجهي قد ظهر في الصورة، أبديت عدم ممانعتي، خصوصاً إن بدوت حلوة كما في الواقع .. تضحك هي، ثم سألتُ هيفاء كيف حصلت على لونها البرونزي الرائع، بدأت تسرد لي قائمة المنتجات وكل الشواطئ الخاصة التي تترددها للمحافظة على لونها البرونزي. قد يبدو حديث هيفاء سطحيا وتافها، لكني استشعرت عمقا ما في طريقة سردها، كما أن كلماتها ونظراتها منسجمتان بشكل لذيذ. أجزم أن هيفاء تكبرني بأربع سنوات على الأقل. لكن طاقتها الشابة أذهلتني، تبادلنا أرقام الهواتف مع وعد بالذهاب الى الشاطئ الخاص سوية.
في طريق العودة إلى المنزل، كنت أنظر لكل الحركة الليلية بالخارج، حنين المشي على الرصيف يعود، وهالة الأشجار في الظلام، لا قمر اليوم، لكن .. الأطفال بالشارع يركضون، أظن أن تلك اشارة صريحة أننا لازلنا في عنفوان الخميس.
لا أشعر بالحزن، ربما لأن الحزن يأتي حينما أتوقف، كموسيقى نهائية لمشهد غروب، لكنّى الآن واليوم أعدو بلا انتهاء، في مضمار غير واضح الأفق، مجبرة .. كما لو أن الموت من خلفي مستمر بالمجيء. أشعر أني ابتعدت عن نفسي، أشعر بألم حاد في مشاعري، أشعر بالخيبة، والمرض والتعب، والفوضى، مكتظة .. مكتظة أنا إلى أقصاي، ويد الأم لم تعد حانية، وفراشي خال كل ليلة، والأصدقاء لا يمدون اليد كما يجب.
فكرت أن أمنح هذا التعب معنى، أن أكتبه دون أن أشاركه مع أصدقائي الخاصين، فكرت أن أسجل يومياتي باستمرار، لغرض نقل التجربة وتوثيقها، أن اكتب باسهاب عن كل ما يحدث، ربما يجد أحدهم هذه اليوميات والمذكرات لاحقا، ويكتشف أن حياتي هي حياته، أن حيواتنا مستعملة بالفعل، ربما حينها سيغير في النص قليلا، وسيجعل من أدواره في حياته أكثر بطولية مما فعلت أنا.
يشير موقع الحجوزات أن أقرب موعد مع معالجي سيكون في أكتوبر، إذاً يا “أنا” لا مناص من الاعتماد الكلي عليك، وربما بضع سجائر، و وجباتٍ سريعة، لا أعلم. لكنّ أشعر أن أيامي القادمة محمولة بأتعاب ومكاسب لست على استعداد لاستقبالها.
لا تقل لي اليوم” كيف حالك”، قل لي “حبيبي نامي” فأنا تعِبْ .. تعبٌ حتى القدم.
توثقين التعب فتجملينه دون قصد!
اوافقك الرأي نعم نحن متشابهين حد التكرار لكن معظمنا ينفر من هذه الحقيقة ويتخبط في سعي محموم نحو وهم التفرد، قرأت تدوينتك بعد حوار شهي تطرقت فيه لهذه النقطة واحببت أن اوثقها بالكتابة.
وبتعليقي هنا اكون قد قرأت كل التدوينات واسجل نفسي كقارئة تتطلع لمتابعة جديدك.
كوني بخير يا بتول.
إعجابLiked by 1 person
شكرا لك شروق، متابعتك لي امتياز والتزام سأعتني به جيدا. أيامك طيبة ومباركة.
إعجابLiked by 1 person